شكلت التطورات السريعة والمتلاحقة في سوريا عبئاً كبيرًا على مصر، وعلي جميع الدول العربية حيث يتوقع المراقبون أن تضاف سوريا إلى قائمة الدول العربية الفاشلة التي تعم فيها الفوضى، وتختفي منها المؤسسات ويتقاسمها الأعداء، ولأن مصر هي الدولة الكبرى فإنها حتماً تتأثر بكل ما يجري في سوريا ولأن القاعدة الذهبية تقول إن ضعف الصديق وقوة العدو خطر على أمنك ووجودك فإن انهيار الجيش السوري يمثل صدمة كبرى لكل المصريين، ولكن الأهم هو البحث بجدية وضمير وإخلاص وصدق عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا الانهيار السريع فلا يمكن بعد اليوم أن نتحجج دائماً بأن أفعال العدو هي التي تضعفنا.
لا بد أن نعترف كأمة عربية بأن هناك أخطاء جسيمة تحيط بإدارتنا لبلادنا فلا يعقل أن تفشل كل جهود العالم في التوصل إلى سلام مجتمعي في سوريا رغم مرور أكثر من 13 سنة على الحرب الأهلية في البلاد، ولا يمكن التسليم بأن كل هذه المعارضة مجرد شياطين وعملاء وأعداء، ويجب إبادتهم، لأن هذا يخالف العقل البشري، والضمير الإنساني والتفكير العلمي.
كان بالإمكان إنقاذ 300 ألف سوري من القتل، و6 ملايين من الهروب من بلداتهم وبيوتهم وكان يمكن الحفاظ على سوريا الجميلة وخطواتها الناجحة في تحقيق الأمن والرفاهية وتوفير الغذاء والخدمات لشعبها،
كان يمكن أن يحدث كل ذلك بقليل من المرونة والتحرر من العناد وزعم احتكار الحقيقة والوطنية
كل دول العالم المتقدم تمر فيها عملية صناعة القرار عبر المراكز البحثية واستشارة أصحاب العقول وبمشاركة أهل الخبرة ومن ثم يأتي القرار لصالح الجميع ويكون معبراً عن الحقيقة وبالتالي تحفظ هيبة الدولة ووجودها ولا تتعرض لمثل هذه الانهيارات التي تعبر بشكل أساسي عن فشل القيادة والإدارة.
والحقيقة المرة أن الدولة السورية ومؤسساتها قد أضافت لمصر جرحًا عميقاً يضاف إلى جراحها في ليبيا والصومال وفلسطين والسودان ليس لأن سوريا دولة عربية تهم مصر فقط ولكن لأنها شريكة الوحدة والحرب والدم والمصير الواحد وها هي اليوم تندفع إلى مصير مجهول لا تملك فيه الدولة المصرية أن تفعل شيئاً بعد أن قطعت عليها قيادتها كل سبل المساعدة لأن مصر مشدودة بشعبها ومصيرها ووجودها إلى الجنوب حيث شقت السودان إلى نصفين أو ثلاثة وربما يشقق إلى خمسة دويلات ستكون جروحاً عميقة في قلب مصر والأمة العربية