مسؤولية بريطانيا التاريخية أمام الدولة الفلسطينية !

صادقت القمة الـ38 للاتحاد الأفريقي منذ أيام، في بيانها على قرارات تُجرِّم الاستعمار على فصول العبودية والظلم الذي تعرضت له شعوب أفريقيا وإطلاق حملة تحت عنوان «جبهة موحدة للنهوض بالعدالة ودفع التعويضات» ومطالبة الدول الاستعمارية بدفع تعويضات يمكن أن تسهم في معالجة المظالم التي واجهتها الشعوب الأفريقية طيلة القرون الماضية، وأكد الاتحاد الأفريقي أن العدالة التعويضية يمكن أن تحقق عبر العمل على العديد من المسائل المهمة منها: التعويضات المالية، الاعتراف التاريخي، استعادة الأراضي، والمساءلة الدولية، واستعادة الآثار الثقافية المنهوبة. وقد جاءت نتائج هذه القمة، تتويجاً للحراك العالمي الذي يقوده نشطاء بدعم من مطالب الدول الأفريقية ودول البحر الكاريبي.

مثلت حقبة الاستعمار الأوروبي لأفريقيا والوطن العربي وبعض مناطق العالم انقلاباً على حركة التاريخ وإخلالاً بموازين العدالة، فتسببت الدول الاستعمارية بالكثير من الأزمات، ومن بينها وأبرزها الاحتلال البريطاني لفلسطين، الذي لا يزال يدفع الفلسطينيون ثمنه والمنطقة العربية برمتها إلى اليوم.

خلافاً لما يجب على بريطانيا القيام به تجاه الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية، لم تقم بريطانيا بالحد الأدنى من مسؤولياتها التاريخية والقانونية والالتزامات السياسية، بجانب مسؤوليتها عن الدعم الدولي بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، لاتزال بريطانيا ترفض الاعتراف بدولة فلسطين مع حفنة قليلة من الدول، ولا تزال بريطانيا شريكاً إستراتيجياً للكيان الغاصب في فلسطين، ومسؤوليته في الإبادة التي يتعرض لها شعب فلسطين في غزة والضفة وفي فلسطين التاريخية.

خلال حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين ما بين 1920-1948 اتخذت بريطانيا قرارات دفع ثمنها السكان الأصليون من العرب في فلسطين والمنطقة العربية ككل نتيجة تلاعب بريطانيا وبقية الجوقة الاستعمارية بالتركيبة السكانية والديموغرافية الأصلية في فلسطين والمنطقة.

تقع على المستعمر البريطاني، التزامات قانونية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، التي تحمِّل الدول الاستعمارية مسؤولية حماية حقوق الشعوب التي تقع تحت سيطرتها، وهذا يتضمن حق تقرير المصير وحقوق الإنسان وحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.

إن استمرار بريطانيا وإصرارها على التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وعدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، يتطلب وقفة سياسية وقانونية واقتصادية وإعلامية جادة من قبل الحكومة الفلسطينية والمجموعة العربية والمجموعة الإسلامية بالتنسيق والتكامل مع المواقف المتقدمة للشركاء في المجموعة الأفريقية والأصدقاء في المجموعة اللاتينية.

حسناً فعلت اللجنة العربية الإسلامية التي انبثقت عن القمة العربية الإسلامية في الرياض التي نجحت برفع عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 147 دولة في العالم، كما أن استهداف بريطانيا تحديداً سياسياً وقانونياً واقتصادياً وإعلامياً بالعمل المباشر والتنسيق المستمر ما بين المجموعة الفلسطينية والمجموعة العربية والمجموعة الإسلامية والمجموعة الأفريقية والمجموعة اللاتينية سوف يوفر الكثير من الجهود ويركزها لتقوم بريطانيا نفسها مضطرة بالتزاماتها تجاه إقامة الدولة الفلسطينية وإرغام بريطانيا للقيام بجهود اللجنة أمام المنابر والقوى الغربية، وهذا لو تحقق، يعد نجاحاً إستراتيجياً فلسطينياً للإسهام في حماية الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية وتطبيق القانون الدولي والشروع بفتح ملف الاستعمار وفرض التعويضات المادية والتاريخية والقانونية على الدول الاستعمارية وفي المقدمة بريطانيا التي بنت اقتصادها وإمبراطوريتها من مستعمراتها في بعض دول العالم.

فأزمة الشعب الفلسطينية ليست نتيجة لقرارات الأمم المتحدة كما يعتقد كثيرون، بل هي نتيجة للاستعمار البريطاني، الذي حان الوقت لأن تدفع بريطانيا ثمنه وشركاؤها الاستعماريون الغربيون. ولا بد من إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وفق قرارات الأمم المتحدة والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

كما أن تفعيل الدور العربي والإسلامي في بريطانيا كفيل بوضع بريطانيا في حجمها الطبيعي الاقتصادي والسياسي الطبيعي، خصوصاً في ظل تنامي الوعي العالمي الشعبي والرسمي لحقوق الشعب الفلسطيني مع فداحة إجرام الكيان الغاصب في فلسطين، وبالتزامن مع الحالة الأسوأ في العلاقات ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، التي تلقي بظلالها حتماً على العلاقة بين بريطانيا وأمريكا.

هذا الموضوع يقودنا دائماً إلى ضرورة قيام جامعة الدول العربية بدورها، لتتحمل مسؤولياتها تجاه الدول العربية وقضاياها ولتلاقي الأصدقاء في أفريقيا وأمريكا اللاتينية في منتصف الطريق والتعامل بندية مع الآخرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى