
في هذا السياق، يأتي اعلان كوريا الشمالية الأخيرة عن تطوير غواصة تعمل بالطاقة النووية، في خطوة قد تعزز قدراتها البحرية وتزيد من تعقيد التحديات الأمنية في المنطقة.
غواصة نووية
في الثامن من مارس، ظهر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في صور رسمية وهو يتفقد أحواض بناء سفن مجهولة، حيث ظهر إلى جانبه جسم ضخم وصفته وسائل الإعلام الرسمية بأنه «غواصة الصواريخ الموجهة الاستراتيجية التي تعمل بالطاقة النووية». إذا صحت هذه التقارير، فستكون هذه هي المرة الأولى التي تكشف فيها بيونغ يانغ عن قدراتها في مجال الغواصات النووية، وهو تطور قد يغير توازن القوى في المنطقة.
ويعد هذا الإعلان نقطة تحوّل في سباق التسلح في شرق آسيا، مما ينذر بمزيد من التوترات الجيوسياسية في المنطقة.

طموح نووي
ولم يكن الإعلان عن الغواصة النووية مفاجئًا للمراقبين، إذ لطالما عبّرت كوريا الشمالية عن طموحاتها في تطوير تكنولوجيا الغواصات المتقدمة. في يناير 2021، كشف كيم جونج أون عن خطة خمسية لتطوير الأسلحة، تضمنت بناء غواصة تعمل بالطاقة النووية. وفي سبتمبر 2023، عندما عرضت كوريا الشمالية أول غواصة صواريخ باليستية لها، أكد كيم أهمية تحويل البحرية إلى قوة نووية، مشيرًا إلى أن بناء غواصة تعمل بالطاقة النووية هو أولوية قصوى. كما جدّد هذا الالتزام في يناير 2024 خلال إشرافه على اختبار صاروخ كروز أُطلق من غواصة.
دور روسيا
ويطرح الإعلان تساؤلات حول إمكانية حصول كوريا الشمالية على دعم خارجي، وتحديدًا من روسيا. فمنذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، تصاعدت وتيرة التعاون العسكري بين موسكو وبيونج يانج. ووفقًا لمصادر استخباراتية، زوّدت كوريا الشمالية روسيا بالذخائر والقوات مقابل الغذاء والنفط والمال، إضافة إلى مزايا تجارية أخرى.
وتشير تقديرات إلى أن قيمة صفقات الأسلحة الروسية مع كوريا الشمالية قد تصل إلى 5.52 مليارات دولار، وهو ما يعزز فرضية أن موسكو قد تكون قدمت تكنولوجيا عسكرية متطورة لبيونج يانج مقابل تلك الإمدادات. وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قد تشمل هذه التكنولوجيا أنظمة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وتقنيات الغواصات النووية، إضافة إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية المتقدمة.
هل تم نقل التكنولوجيا الروسية فعلًا؟
وعلى الرغم من صعوبة تتبع نقل التكنولوجيا عبر الصور الفضائية، فإن عدة مؤشرات تدعم فرضية أن كوريا الشمالية تلقت دعماً روسياً. فقد زار كيم جونج أون خلال رحلته إلى روسيا في سبتمبر 2023 مقر الأسطول الروسي في المحيط الهادئ، وتفقد الفرقاطة المارشال شابوشنيكوف في فلاديفوستوك، وهو ما يوضح اهتمامه العميق بتطوير القوات البحرية لبلاده.
وعلاوة على ذلك، تطورت تصريحات المسؤولين الأمريكيين من التكهنات إلى التأكيد حول نقل التكنولوجيا الروسية إلى كوريا الشمالية. ففي مارس 2024، أفادت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز بأن موسكو قد تتخلى عن سياساتها التقليدية في منع انتشار الأسلحة، وتسمح بنقل تكنولوجيا عسكرية متقدمة إلى بيونغ يانغ. كما أكدت ميرا راب هوبر، مسؤولة بارزة في البيت الأبيض، أن كوريا الشمالية تسعى للحصول على معدات إنتاج الصواريخ الباليستية من روسيا.

انعكاسات سياسية وإستراتيجية
1 – تحدٍّ جديد للولايات المتحدة وحلفائها
امتلاك كوريا الشمالية لغواصة نووية سيعقّد مهام الحرب المضادة للغواصات التي تنفذها الولايات المتحدة، خاصة في حال وقوع أزمات مزدوجة في شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان.
2 – تعزيز الشراكة الروسية – الكورية الشمالية
يمثل التعاون في مجال الغواصات النووية مؤشراً على أن العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ أصبحت أقوى من أي وقت مضى، وربما تتجاوز مستويات التعاون التي كانت قائمة خلال الحرب الباردة. فخلال تلك الفترة، تردّد الاتحاد السوفييتي في تقديم تكنولوجيا متطورة لكوريا الشمالية، بينما يبدو أن روسيا اليوم باتت أكثر انفتاحًا على هذا النوع من التعاون العسكري.
3 – تراجع النفوذ الصيني
يعكس التعاون الروسي – الكوري الشمالي تراجع قدرة الصين على التأثير في سياسات بيونغ يانغ. فبينما تحاول بكين الحفاظ على استقرار المنطقة، لم تتمكن من منع بيونغ يانغ من إرسال قوات وأسلحة إلى روسيا، ما يشير إلى فقدانها بعض السيطرة على جارتها النووية.
4 – تقليص فرص الحوار مع واشنطن
الدعم الروسي يمنح كوريا الشمالية موارد حيوية تشمل المال، والوقود، والغذاء، وتخفيف العقوبات، والاعتراف الدولي بها كقوة نووية بحكم الأمر الواقع. وهي مكاسب يصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تقدمها الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل سياسة العزل والضغوط التي تتبعها تجاه بيونج يانج.

أبرز النقاط حول إعلان كوريا الشمالية عن غواصتها النووية
• الإعلان الرسمي:
كشفت كوريا الشمالية في مارس 2025 عن غواصة صواريخ موجهة تعمل بالطاقة النووية، ما يمثل قفزة نوعية في قدراتها البحرية. • خلفية تاريخية:
يأتي هذا الإعلان بعد سنوات من الطموح النووي لكوريا الشمالية، حيث كان تطوير غواصة نووية جزءًا من خطة الأسلحة الخمسية التي أعلن عنها كيم جونج أون في 2021.
• الدور الروسي:
تشير تقارير إلى أن روسيا قد تكون ساعدت كوريا الشمالية في تطوير هذه الغواصة، في إطار التعاون العسكري المتزايد بين البلدين منذ بداية حرب أوكرانيا.
• التداعيات العسكرية:
سيؤدي امتلاك كوريا الشمالية لغواصة نووية إلى تعقيد جهود الولايات المتحدة وحلفائها في تتبع تحركاتها البحرية واحتوائها عسكريًا.
• الأثر السياسي:
يعكس هذا التطور تعميق الشراكة بين موسكو وبيونغ يانغ، في وقت تحاول فيه الصين الحفاظ على نفوذها على كوريا الشمالية، بينما تتراجع فرص الحوار بين بيونغ يانغ وواشنطن.