في الكواليس السياسية، ثمّة حديث تصاعد في الأيام الأخيرة، عن رسائل “مشفّرة” يوجّهها العدو الإسرائيلي “بالنار” إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، في استراتيجية برزت خصوصًا بعد زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت هذا الأسبوع، حتى إنّ بعض المحلّلين والمتابعين، وبينهم من هو محسوب على بري، لم يتردّد في القول إنّ رئيس البرلمان أضحى “مستهدَفًا”، بل ربما “هدفًا للاغتيال”، إن توافرت الفرصة لإسرائيل في ذلك.
تجلّت هذه “الرسائل النارية” بمجموعة مؤشّرات قد لا تكون مسبوقة، ظهرت على السطح هذا الأسبوع، بينها توسيع مروحة القصف إلى مناطق كانت “محيَّدة” نوعًا ما، ولو كانت جزءًا من الضاحية الجنوبية لبيروت، على غرار الأوزاعي والجناح، فضلاً عن تكثيف القصف المركّز على مناطق جنوبية يحسبها كثيرون ضمن “حصّة” حركة أمل ونفوذها، على غرار مدينة صور، التي تعرّضت في اليومين الماضيين لاعتداءات غير مسبوقة بالمُطلَق.
ولعلّ إقحام “مستشفى الساحل” في “بازار” التهديدات الإسرائيلية شكّل “الرسالة” الأقوى وقعًا، ولا سيما أنّ المستشفى الذي يقول البعض إنّ تأسيسه سابق لنشأة “حزب الله”، هو محسوب على الحركة، ولا سيما أنّ مديره هو النائب فادي علامة، عضو كتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها بري نفسه، فهل يعني كلّ ذلك أنّ “الأستاذ” أصبح فعلاً على قائمة “الاستهدافات” الإسرائيلية، وما الذي تريده إسرائيل تحديدًا من خلف كلّ ذلك؟!
طبيعة “الرسائل”
لا يخفي العارفون أنّ توسيع “بنك الأهداف” الإسرائيلي بشكل لافت هذا الأسبوع، بما يخصّ الرئيس بري بشكل مباشر، على مستوى المناطق والنفوذ، يخبئ بين طياته “رسائل بالجملة” إلى رئيس مجلس النواب وغيره، ولو كانت إسرائيل تكرّر بين الفينة والأخرى مزاعمها عن أنّ الحرب التي تخوضها ليست مع الشعب اللبناني، وإنما مع “حزب الله” حصرًا، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه مرارًا وتكرارًا.
بهذا المعنى، يشير العارفون إلى أنّ “نوعية” بنك الأهداف الإسرائيلي في الأيام القليلة الماضية تحمل الكثير من الدلالات والعِبَر، فاستهداف مناطق مثل الأوزاعي والجناح وصور بدا جديدًا نوعيًا، ولو أنّ هذه المناطق هي في نهاية المطاف جزء من المناطق الواقعة في دائرة الاستهداف، في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي جنوب لبنان، علمًا أنّ الأوزاعي حتى أيام قليلة سابقة كانت مصنَّفة آمنة حتى أكثر من بعض المناطق في العاصمة بيروت.
وقد يكون اختيار مستشفى الساحل تحديدًا لتوجيه رسائل التهديد “رمزيًا” وفق ما يقول العارفون، ولو أن الإسرائيليين أصرّوا على أنّهم ليسوا في وارد الهجوم على المستشفى في الوقت الحاضر، فلمستشفى الساحل خصوصيّته المرتبطة تاريخيًا بحركة أمل ورئيس مجلس النواب، ومن خلاله يريد الإسرائيليون أن يوجّهوا الرسائل لبري تحديدًا، فضلاً عن الرسالة المرتبطة بالمستشفيات بصورة عامة، وإمكانية “استنساخ” نموذج غزة في لبنان.
“فحوى” الرسائل
أما عن “فحوى” هذه الرسائل، فتتفاوت وجهات النظر بشأنها، علمًا أنّ هناك من يربطها بحضور “حركة أمل” على خط المواجهات منذ السابع من تشرين الأول من العام الماضي، إذ كانت جزءًا ممّا اصطلح على تسميتها بحرب الإسناد في محطاتٍ مختلفة منها، وقد دفعت الحركة ثمن ذلك بسقوط عدد من الشهداء في صفوفها، ما يعني أنّ استهدافها ليس أمرًا طارئًا أو جديدًا، ولو أنّه اتخذ في الأيام الأخيرة أبعادًا جديدة تختلف عمّا سبق.
لكن، في مقابل هذا الرأي، ثمّة من يربط الرسائل الجديدة، بالمواقف التي يطلقها رئيس مجلس النواب، الذي يلعب دورًا أساسيًا على خط المفاوضات القائمة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار، وتحديدًا ذلك الموقف الذي أعلنه أمام المبعوث الأميركي آموس هوكستين، لجهة رفض الشروط الإسرائيلية المستجدّة التي حملها خلال زيارته الأخيرة، والتي تمّ تسريب بعضها للمفارقة عبر وسائل إعلام أميركية.
ولعلّ ما قاله بري عن رفضه كلّ ما يُحكى عن قرار “1701 زائد” أزعج الإسرائيليين، الذين أرادوا أن يوجّهوا له رسائل “بالنار” لدفعه لإبداء المزيد من المرونة، وهو ما تستبعده الأوساط السياسية، باعتبار أنّ الموقف الذي يدلي به بري لا يعكس رأيه فحسب، بل موقف الدولة اللبنانية بصورة عامة، لجهة التمسك بالقرار 1701 كحلّ وحيد للصراع القائم، ولجهة التأكيد أنّ “لا بديل له” في أيّ حال من الأحوال.
ثمّة من يشبّه “رسائل النار” الموجّهة إلى بري بـ”رسالة” مستشفى الساحل بصورة أو بأخرى، فكما أنّ الإسرائيلي سعى إلى الابتزاز عبر المستشفى، وأكد في الوقت نفسه أنّه لا ينوي الهجوم عليها، فهو يوجّه الرسائل إلى بري، من دون أن تكون لديه “النيّة” فعلاً باستهدافه في الوقت الحاضر. لكنّ ذلك لا يعني أنّ الإسرائيلي قد لا يصعّد إذا ما شعر أنّ رسائله لم تحقّق أهدافها، وهو المعروف بخبثه وتماديه!