مع استمرار التوترات الإقليمية وتباطؤ النمو الاقتصادي، يواجه قطاع تجارة التجزئة للمواد الغذائية في إسرائيل اختبارا حقيقيا لقدراته على الصمود، وبين ضغوط تضخمية متزايدة، وإصلاحات تنظيمية معقدة، وتغيرات جذرية في سلوك المستهلكين، تبدو آفاق السوق محفوفة بالتحديات، فيما تسعى الشركات إلى التكيف مع مشهد تجاري غير مسبوق في ضبابيته.
تقرير حديث صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية، يرسم صورة دقيقة لهذا المشهد المتقلب، مع لمحات من فرص قد تغير قواعد اللعبة في المستقبل القريب.
مبيعات تجارة التجزئة للأغذية
في عام 2024، بلغت مبيعات تجارة التجزئة للأغذية في إسرائيل 21 مليار دولار، مع توقعات بنمو بنسبة 5% في عام 2025. ومع ذلك، فإن هذه التوقعات تعتمد بشكل كبير على تحديات أوسع نطاقاً تؤثر في الاقتصاد وقطاع تصنيع الغذاء، الذي سجل إيرادات بلغت 14.13 مليار دولار خلال العام الماضي.
كما تأثر قطاع خدمات الطعام بشكل ملحوظ نتيجة الصراع الإقليمي المستمر، حيث بلغت مبيعاته 7.6 مليار دولار، وسط توقعات بأن يكون نموه المستقبلي مرتبطاً بإنهاء الصراع وتحسن الطلب.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الإسرائيلي متقدم وموجه نحو السوق، وحقق ناتجا محليا إجماليا قدره 541.8 مليار دولار في 2024 بنمو متواضع بلغ 0.9%، إلا أن استمرار النزاعات الإقليمية، والإصلاحات التنظيمية، والضغوط التضخمية تؤثر بشدة على آفاق القطاع.
تشكيل سلوك المستهلكين
أظهر الاقتصاد الإسرائيلي قدراً من الصمود في عام 2024، لكن النمو بقي محدوداً وسط التضخم المستمر وحالة عدم اليقين المرتبطة بالحرب، ومع استمرار النزاع الإقليمي خلال الربع الأول من 2025، يُتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 2.6%، مع بقاء النمو الاقتصادي هشاً. وتشير التقييمات إلى أن مزيدا من الاضطرابات قد يؤدي إلى زيادة حذر المستهلكين وتغير أنماط الإنفاق الأسري.
ولم يسلم قطاع تجارة التجزئة للمواد الغذائية، الذي يُعد تقليديا ركيزة مستقرة للاقتصاد، من هذه التأثيرات، فارتفاع أسعار الفائدة، وخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، وتراجع الدخل المتاح للأسر، كلها عوامل تدفع المستهلكين إلى التركيز على السلع الأساسية، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأغذية القابلة للتخزين مثل المكرونة والوجبات الجاهزة، فيما تعرضت مبيعات المنتجات الغذائية الفاخرة والكمالية لضغوط واضحة.
التغيرات التنظيمية تزيد تعقيد السوق
تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى كبح جماح ارتفاع تكاليف المعيشة من خلال إصلاحات تنظيمية أضافت بدورها مزيدا من التعقيد إلى السوق، فاعتبارا من 1 يناير 2025، اعتمدت إسرائيل معايير الاتحاد الأوروبي لاستيراد المنتجات الزراعية بموجب مبادرة «ما هو جيد لأوروبا جيد لإسرائيل».
وعلى الرغم من أن الهدف من هذه الخطوة هو تعزيز المنافسة وخفض الأسعار، إلا أن التغيرات التنظيمية فرضت متطلبات استيراد أكثر صرامة، مما جعل البيئة أكثر تعقيدا بالنسبة للمصدرين الأمريكيين وتجار التجزئة المحليين.
ووفقا لتقرير وزارة الزراعة الأمريكية، أصبحت لوائح سلامة الغذاء في إسرائيل أكثر تشددا، مما يصعب على الموردين تلبية المعايير الجديدة، ويواجه المصدرون الأمريكيون تحديات خاصة في التكيف مع تبني إسرائيل لـ 40 لائحة أوروبية جديدة، الكثير منها أكثر صرامة من المعايير الأمريكية.
هيكل قطاع التجزئة
يبقى قطاع تجارة التجزئة للمواد الغذائية في إسرائيل شديد التركز، إذ تهيمن عليه سلاسل سوبرماركت رئيسية مثل «شوفيرسال» و«رامي ليفي» و«فيكتوري»، حيث تمثل هذه الشركات مجتمعة 68% من إيرادات أكبر 24 شركة.
وتواصل المنتجات ذات العلامات التجارية الخاصة (PL) تسجيل حضور متنام، رغم بعض التقلبات، فبينما أظهرت الحصة السوقية لهذه المنتجات بعض التراجع، إلا أن ارتفاع أسعار الغذاء والإصلاحات التنظيمية التي حملت تجار التجزئة مزيدا من المسؤوليات قد يجددان الاهتمام بها، وسيحتاج تجار التجزئة إلى تحقيق توازن دقيق بين الضغوط السعرية ومتطلبات المستهلكين للجودة والخيارات الصحية والمستدامة.
تحديات سلسلة التوريد والاستيراد
تعتمد إسرائيل بشكل كبير على استيراد المنتجات الزراعية، ففي عام 2024، استوردت منتجات زراعية بقيمة 8.9 مليار دولار، ذهب جزء كبير منها إلى قطاع تصنيع الأغذية، ونظرا لمحدودية الموارد الطبيعية، خاصة الأراضي والمياه، تعتمد إسرائيل بشكل رئيس على مصادر خارجية لتلبية احتياجاتها الزراعية.
ويزيد عدم الاستقرار الإقليمي من تعقيد سلاسل التوريد، إذ تؤدي الاضطرابات على الحدود ونقص العمالة وتحديات الخدمات اللوجستية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتقليص توفر المنتجات، وإذا استمر النزاع أو تصاعد، فإن هذه التحديات قد تتفاقم، مما ينعكس على الأسعار واستقرار السوق.
كما تشكل ارتفاع تكاليف الشحن من الولايات المتحدة ومنافسة الموردين الأوروبيين والآسيويين تحديا إضافيا، إذ يتمتع هؤلاء بميزة القرب الجغرافي وتكاليف النقل المنخفضة. وعلى الرغم من السمعة الجيدة التي تحظى بها المنتجات الأميركية، إلا أن استمرارها في السوق الإسرائيلية يعتمد على قدرتها على تجاوز هذه التحديات.
توجهات تفتح مجالات للنمو
على الرغم من التحديات القائمة، تسلط التحولات في تفضيلات المستهلكين الضوء على فرص نمو محتملة. فقد أشار تقرير وزارة الزراعة الأميركية إلى وجود طلب قوي على المنتجات الصحية مثل الأغذية العضوية والخالية من الغلوتين والغنية بالبروتين ومنخفضة السكر، كما أن الاستدامة البيئية أصبحت عاملاً حاسماً في قرارات الشراء، مع تزايد الاهتمام بالتغليف الصديق للبيئة والمنتجات ذات المصادر الأخلاقية.
بالإضافة إلى ذلك، يشهد سوق الحلويات الراقية والأجبان الفاخرة والشوكولاتة المتميزة توسعاً، لا سيما بين شرائح المستهلكين الميسورين، ومن المتوقع أن يستمر الطلب المتزايد على الأغذية القابلة للتخزين، الذي برز بعد النزاع، في دعم نمو فئات المنتجات ذات العمر التخزيني الطويل خلال عام 2025.
وتلعب الرقمنة والأتمتة دورا متزايدا في تغيير أنماط عمل تجارة التجزئة وسلاسل التوريد، إذ يتجه تجار التجزئة بشكل متزايد نحو اعتماد تقنيات متطورة لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف وتلبية تفضيلات التسوق عبر الإنترنت، غير أن تنفيذ هذه التقنيات يتطلب استثمارات كبيرة قد تكون صعبة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.
تفاؤل حذر وسط المخاطر
يتوقع تقرير وزارة الزراعة الأميركية تحقيق نمو معتدل في قطاع تجارة التجزئة للمواد الغذائية في إسرائيل، بشرط تراجع التوترات الإقليمية واستقرار الإصلاحات الاقتصادية. وتعكس توقعات النمو بنسبة 5 بالمئة في عام 2025 تفاؤلاً حذراً، مدعوماً باستقرار أسعار السلع العالمية وتكيف تدريجي مع التغيرات التنظيمية.
ومع ذلك، تبقى المخاطر قائمة. فاستمرار النزاع قد يؤدي إلى اضطرابات إضافية في سلاسل التوريد، ويقوض ثقة المستهلكين. كما أن معدلات التضخم وأسعار الفائدة تتطلب مراقبة دقيقة بالنظر إلى تأثيرها المباشر على القوة الشرائية. ولا تزال عملية دمج المعايير الأوروبية الجديدة في القطاع الغذائي الإسرائيلي تحمل درجة من عدم اليقين، مع ما قد يترتب عليها من آثار على الاستيراد واستراتيجيات التسعير وتوفر المنتجات.
بالنسبة للمصدرين الأميركيين، تبقى هناك فرص واعدة، خصوصاً في مجالات المنتجات الصحية والمبتكرة والمعتمدة بأنها «كوشير»، حيث تتمتع العلامات التجارية الأميركية بسمعة قوية، ومع ذلك، فإن التغلب على الحواجز التنظيمية، ومنافسة الموردين الأوروبيين، وإدارة تكاليف الشحن ستكون عوامل حاسمة للحفاظ على الحصة السوقية وتعزيزها.
وفي ظل بيئة تتسم بعدم اليقين الاقتصادي وتغير أذواق المستهلكين، ستكون القدرة على التكيف مفتاح النجاح، وسيكون على تجار التجزئة والموردين وصانعي السياسات إدارة توازن دقيق بين تحقيق الأسعار المناسبة، والحفاظ على جودة المنتجات، والاستجابة للديناميات السوقية المتغيرة خلال السنوات المقبلة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.