بعد مرور 100 يوم على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، باتت ملامح توجهاته الاقتصادية أكثر وضوحًا ولكن أيضًا أكثر إثارة للجدل. فمنذ اليوم الأول، أطلق ترامب ما وصفه بـ"حرب تحرير اقتصادية" تستهدف الصين والعالم عبر موجة تعريفات جمركية غير مسبوقة، لكنه يواجه الآن اتهامات متزايدة بأنه يعمّق أزمة معيشية خانقة قد تعصف بثقة الناخبين فيه.
فرغم أن الرئيس الأميركي لا يتحكم عادة في تفاصيل الاقتصاد بشكل مباشر، فإن ترامب في ولايته الثانية يفعل العكس تمامًا: يؤثر فيه بدرجة مقلقة. وحتى المؤشرات الإيجابية الظاهرة مثل انخفاض التضخم إلى 2.5%، تخفي وراءها هشاشة متزايدة، وتوقعات متشائمة.
الصدمة بعد المئة: هل بدأ الانحدار الاقتصادي؟
بحسب محللين اقتصاديين، فإن أجندة ترامب التعريفية وضعت الولايات المتحدة فعليًا على حافة ركود اقتصادي محتمل. إذ بدأت الشركات الكبرى بتقليص توقعاتها، وأظهرت بيانات التجارة الدولية انخفاضًا حادًا في واردات الحاويات من الصين تجاوز 60%، ما يشير إلى تراجع النشاط الصناعي الأميركي.
الأمر لا يتوقف عند الأسواق. فاستطلاع حديث لـCNN كشف أن 59% من الأميركيين يعتقدون أن سياسات ترامب أضرت بالاقتصاد، فيما يرى 60% أنها ساهمت في رفع كلفة المعيشة. وهي أرقام تدق ناقوس الخطر قبل عام انتخابي حاسم.
الضرائب المقنّعة: تعريفات ترامب على شكل فواتير أغلى
الرئيس الأميركي وعد في حملته بخفض الأسعار من اليوم الأول. لكن في الواقع، الرسوم الجمركية التي فرضها على السلع المستوردة، خصوصًا من الصين، عملت كضريبة غير مباشرة على المستهلك الأميركي. شركات التجزئة نقلت التكلفة إلى المستهلك، والأسعار بدأت ترتفع في قطاعات واسعة تشمل الإلكترونيات، والسيارات، وحتى الأغذية.
وبحسب مراقبين، فإن "ترامب لم يطلق فقط حربًا تجارية.. بل حربًا نفسية على ثقة المستهلك". فمع تراجع المؤشرات الاستهلاكية وتزايد القلق من المستقبل، تبدو حالة السوق أشبه بأزمة ما قبل عاصفة اقتصادية.
الأسواق تترنح.. والمقارنة مع نيكسون وبوش تُقلق وول ستريت
تاريخيًا، لم تشهد الأسواق الأميركية هذا القلق منذ سنوات. ففي مقارنة لافتة، يظهر أن أداء مؤشر S&P500 خلال أول 100 يوم من ولاية ترامب الثانية يقارب أسوأ السيناريوهات التي شهدها عهد نيكسون في 1973 وبوش الابن في 2001، عندما قادت القرارات السياسية إلى هبوط كبير في الأسواق وفقدان الثقة العالمية.
وبينما يسوّق ترامب نهج "استعادة هيبة الاقتصاد الوطني"، يرى المستثمرون العالميون أن سياساته تفتقر إلى الاستقرار والاتساق. الانسحاب من الاتفاقيات، وتصعيد الحروب التجارية، دفعت بالصناديق الاستثمارية لسحب مليارات الدولارات من السوق الأميركية في "تسونامي مالي صامت"، وفق وصف أحد المحللين في "وول ستريت جورنال".
لغة سياسية بنكهة اقتصادية
ما يُضاعف الأزمة هو أسلوب ترامب الخطابي. ففي خطاب "يوم التحرير" الشهير، وعد بـ"نهضة صناعية" تُحيي مصانع أميركا، لكن المراقبين رأوا في تصريحاته شعبوية هجومية تفتقر إلى خطط تنفيذية. وبينما يترقب الناخبون خفضًا سريعًا للأسعار، يرون فقط وعودًا معلقة ورسومًا تعني مزيدًا من الغلاء.
ومن المفارقة، أن ترامب نفسه اعترف ضمنيًا بحجم التغيير الذي أحدثه، حين قال: "ستكون هذه دولة مختلفة تمامًا خلال وقت قصير. سيكتب عنها العالم أجمع". وفيما يبدو، قد يتحقق هذا فعلاً — ولكن ليس بالضرورة بالمعنى الذي يأمله.