مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن جولته المرتقبة في الشرق الأوسط في مايو 2025، والتي ستشمل زيارات للسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، أثارت هذه الخطوة اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الصحفية الأمريكية والغربية. تأتي هذه الجولة في سياق دبلوماسي واقتصادي معقد، حيث يسعى ترامب إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء الخليج الرئيسيين، مع التركيز على قضايا الأمن الإقليمي، والدبلوماسية مع إيران، والاستثمارات الاقتصادية.
سياق الجولة: تعزيز العلاقات الخليجية
وفقًا لتقرير نشرته مجلة نيوزويك، فإن جولة ترامب تهدف إلى تعزيز الشراكات الأمريكية مع دول الخليج، مع التركيز على التنسيق الأمني والدبلوماسي في مواجهة التحديات الإقليمية، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني ونفوذ طهران في دول مثل لبنان وسوريا واليمن.
وأشارت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، إلى أن الجولة تهدف إلى "تعزيز الروابط" بين الولايات المتحدة وهذه الدول، التي قدمت دعمًا دبلوماسيًا لإدارة ترامب في مفاوضات وقف إطلاق النار في أوكرانيا وغزة.
ويرى المحللون أن هذه الزيارات تأتي في وقت حرج، حيث تسعى إدارة ترامب إلى استغلال الثروة الهائلة لدول الخليج واستعدادها للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، خاصة في ظل القلق الداخلي بشأن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة إذ يواجه الاقتصاد انكماشا ويقف على أعتاب الركود التضخمي.
كما أشار تقرير لموقع بوليتيكو إلى أن هذه الجولة هي الرحلة الخارجية الثانية لترامب منذ عودته إلى الرئاسة، بعد زيارة إيطاليا لحضور جنازة البابا فرانسيس. وتُعد الجولة فرصة لترامب لإظهار قوة دبلوماسيته الشخصية، التي يعتمد فيها على علاقاته المباشرة مع قادة المنطقة.
ومع ذلك، يحذر المحللون من أن نهج ترامب "الارتجالي" في السياسة الخارجية قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، كما أشار معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
الأهداف الاقتصادية: استثمارات الخليج وصفقات الأعمال
تسلط الصحافة الغربية الضوء على البعد الاقتصادي لجولة ترامب، حيث ترى أن دول الخليج تمثل مصدرًا جذابًا للاستثمارات في الولايات المتحدة. ونقلت نيوزويك عن نيجار مرتضوي، الباحثة البارزة في مركز السياسة الدولية، قولها إن "هذه الدول الخليجية كانت مركز اهتمام ترامب منذ ولايته الأولى، بفضل ثروتها الهائلة واستعدادها للإنفاق والاستثمار في الولايات المتحدة". ويرى المحللون أن ترامب يسعى للاستفادة من هذه الثروة لدعم أجندته الاقتصادية الداخلية، خاصة في ظل انخفاض ثقة المستهلكين ومخاوف الركود الاقتصادي.
من جهة أخرى، أثار تقرير لصحيفة نيويورك تايمز في 30 أبريل 2025 مخاوف بشأن تضارب المصالح، حيث أعلنت منظمة ترامب عن شراكة مع شركة قطرية مملوكة للحكومة لتطوير مشروع عقاري وملعب جولف في قطر، بالتزامن مع الجولة القادمة. كما يشمل المشروع تعاونًا مع شركة سعودية خاصة لها صلات وثيقة بالحكومة السعودية، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه الصفقات التجارية على قرارات ترامب السياسية. ويُعد هذا المشروع جزءًا من سلسلة من المشاريع العقارية التي تربط عائلة ترامب بدول الخليج، مما يعزز الانطباع بأن الجولة قد تخدم أهدافًا تجارية إلى جانب الأهداف الدبلوماسية.
القضايا الإقليمية: إيران والصراع الإسرائيلي الفلسطيني
تُعد إيران واحدة من أبرز القضايا التي ستُناقش خلال الجولة، خاصة مع اقتراب الجولة من جلسة مفاوضات نووية جديدة مع طهران.
وأشار تقرير نيوزويك إلى أن المسؤولين الإقليميين والدبلوماسيين الأمريكيين يخططون لمناقشة البرنامج النووي الإيراني ونفوذ طهران في المنطقة، بما في ذلك دعمها لجماعات مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان. ويرى المحللون أن ترامب قد يتبنى نهجًا أكثر صرامة تجاه إيران، بما يتماشى مع سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها في ولايته الأولى، مما قد يؤثر على ديناميكيات المنطقة.
فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تشير الصحافة الغربية إلى أن ترامب يواجه تحديات معقدة. ووفقًا لتقرير نشره معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أثار اقتراح ترامب المفاجئ للسيطرة على قطاع غزة وإعادة بنائه كـ"ريفييرا الشرق الأوسط" قلقًا في مصر والأردن وفلسطين، بينما أسعد الجناح اليميني في إسرائيل. ومع ذلك، يظل الموقف من الضفة الغربية غامضًا، مما يزيد من حالة عدم اليقين. كما أشار تقرير نيوزويك إلى أن دعم ترامب الكامل لإسرائيل في صراعها مع حماس، إلى جانب تصعيده ضد الحوثيين في اليمن، قد يؤجج التوترات الإقليمية بدلًا من تهدئتها.
التحديات: الارتجال وعدم القدرة على التنبؤ
يحذر العديد من المحللين من أن نهج ترامب الارتجالي في السياسة الخارجية قد يشكل تحديًا كبيرًا خلال الجولة. وأشار معهد الشرق الأوسط إلى أن إدارة ترامب الثانية أظهرت عدم الالتزام بالنهج التقليدي للسياسة الخارجية، حتى مقارنة بولايته الأولى، مما يجعل من الصعب التنبؤ بنتائج الجولة. على سبيل المثال، أثارت محادثات فريق ترامب المباشرة مع حماس استياءً هادئًا في إسرائيل، مما يشير إلى أن تحركات ترامب غير المتوقعة قد تعقد العلاقات مع الحلفاء.
كما أشار تقرير صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن إدارة ترامب لم تقدم حتى الآن تسوية واقعية للصراعات الإقليمية، مما يترك فراغًا يستغله قادة مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويخشى المحللون أن تؤدي هذه الجولة إلى تعميق الانقسامات بين الحلفاء العرب، كما حدث في جولته عام 2017 عندما أدت زيارته إلى أزمة دبلوماسية مع قطر.
التوقعات: بين الفرص والمخاطر
تتفق الصحافة الغربية على أن جولة ترامب تمثل فرصة لتعزيز الشراكات الاقتصادية والأمنية مع دول الخليج، لكنها تحمل أيضًا مخاطر كبيرة بسبب نهجه غير التقليدي. ووفقًا لمعهد الشرق الأوسط، فإن قادة الخليج يرحبون عمومًا بالتعامل مع ترامب مرة أخرى، لكنهم يشعرون بالقلق إزاء "التهور" في خططه، مثل مقترح غزة، وتأثير سياساته الاقتصادية مثل التعريفات الجمركية على اقتصاداتهم. كما يرى تقرير أتلانتيك كاونسل أن رغبة ترامب في جذب استثمارات خليجية تتماشى مع نقاط قوة السعودية والإمارات، مما قد يعزز التعاون الاقتصادي.
من ناحية أخرى، يحذر تقرير نيويورك تايمز من أن الروابط التجارية بين عائلة ترامب ودول الخليج قد تثير انتقادات بشأن الشفافية وتضارب المصالح، مما قد يؤثر على مصداقية الجولة. وتشير نيوزويك إلى أن نتائج مفاوضات إيران النووية، المقرر إجراؤها بالتزامن مع الجولة، ستكون حاسمة في تحديد نجاح ترامب في تحقيق الاستقرار الإقليمي.