عقوبة “شريك الشريك” في الجريمة بين النصوص القانونية واجتهادات النقض

تباين آراء الفقهاء حول المسؤولية الجنائية للشريك غير المباشر بعد إقرار النقض بمساحته ودون اشتراط الاتفاق المسبق

يشكل “شريك الشريك” حالة قانونية معقدة في ميدان المشاركة الجنائية، إذ كان الفقه الجنائي يرى في البداية أن دور المساهم التبعي أو الشريك غير المباشر لا يرقى إلى درجة الجريمة ما لم يُوقعه القانون صراحةً بالعقاب. 

ويعرف الفقه “الفاعل الأصلي” بأن نشاطه يشكل الركن المادي للجريمة ومعاقبٌ عليه دائمًا، بينما كان يُنظر إلى نشاط الشريك التبعي كغير مجرم أصلاً لعدم نص التشريع على مسؤولية منفصلة عنه.

ويستند قانون العقوبات في مادته 40 إلى ثلاثة صور للمشاركة: التحريض والاتفاق والمساعدة. 

وفالتحريض يركز على تأثير نفسية الفاعل الرئيسي ودفعه لفكرة ارتكاب الجريمة، بينما يشترط الاشتراك بالاتفاق تلاقي إرادة الشريك والفاعل على أركان الجريمة. أما المساعدة فتعتمد على تمكين الفاعل الأصلي من إنجاز فعله الإجرامي بما ييسر أو يكمل أركان الجريمة.

وتناولت محكمة النقض هذه الإشكالية مؤخرًا وأكدت أن تحقق “اشتراك المساعدة” لا يلزم معه وجود اتفاق سابق صريح بين الفاعل والشريك، بل يكفي أن يكون الأخير على علم بنية ارتكاب الجريمة ويسهم بأفعال متهيئة لها، سواء كانت لوجستية أو تقنية أو معنوية. 

وبذلك وسّعت النقض نطاق مسؤولية شريك الشريك وأغلقت ثغرة الإفلات من العقاب التي كان يعتمد عليها البعض بحجة عدم وجود اتفاق مبدئي.

ويظهر اختلاف آراء الفقه الجنائي حول مدى تطبيق العقاب على الشريك غير المباشر عازياً السبب إلى غياب تعريف واضح في بعض التشريعات لمفهوم “الشريك”، ما أعطى مساحة للنقض لتفسير المادة 40 بصورة تجعلها أوسع في جلب كافة المشاركين إلى دائرة المساءلة الجنائية، حفاظًا على أمن المجتمع وسدًا لثغرات يعوّل عليها المجرمون.